أحدث الأخبار
رئيس التحرير
محمد أبو عوض
رئيس التحرير التنفيذى
أحمد حسني

لماذا أصبحت القاهرة ضمن الحلول الجاهزة للغاز الأوروبي؟

مصر والاتحاد الأوروبي
مصر والاتحاد الأوروبي

يأتي التقاء الأهداف بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، واحدًا من أهم الخطوات التي تساهم في تفكيك معضلات أزمات متكررة في مبدأ الاعتماد على مصدر واحد احتكر تصدير منتجات الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي)، تزامن معه أزمات سياسية ويغذي طموحات مصر في تحقيق أهدافها لاستراتيجية تعزيز موقعها كمركز إقليمي لتداول الطاقة، وذلك التمهيد طريق المستقبل للطاقة الخضراء التي تطمح أن تحقق فيه القاهرة الصدارة. 

لماذا أصبحت القاهرة ضمن الحلول الجاهزة للغاز الأوروبي؟

فهذه النوعية من الشراكات يصعب فهمها بعيدًا عن التفاعلات الدولية في إطار ما يجري من ترتيبات وإجراءات في مجال النفط والغاز الطبيعي على الصعيد الدولي، فوسط الاكتشافات الجديدة وإعادة رسم خريطة هذه النوعية من الموارد الاستراتيجية، ولذلك من الضروري فهم التحركات التي تمت في هذا السياق.

وعلى الصعيدين الإقليمي والعالمي تسبب إعلان اكتشافات الغاز الطبيعي في حوض البحر المتوسط في لفت الانتباه بصورة كبيرة إلى الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه دول شرق المتوسط وبالأخص الدولة المصرية لما تمتلكه من قدرات هائلة في صناعة الغاز الطبيعي في سوق الطاقة العالمية، وإذا كانت نسبة تلك الاكتشافات تبدو محدودة (مقارنة لما تمتلكه المنطقة من احتياطيات كبيرة قياسا مع مناطق إنتاجية أخري من العالم (حوالي (٢)، فإن الموقع الاستراتيجي للمنطقة قد رفع من حضورها في أسواق الغاز العالمية، في ظل تمتعها بميزة الموقع الجغرافي المفصلي، ومع ما يتركه ذلك من انعكاسات إيجابية في حسابات النقل والتصدير, وبالأخص إلى دول الاتحاد الأوروبي والذي ادت صراعاته المزمنة مع المزود الرئيس له أي موسكو واستغلاله الطاقة كورقة ضغط سياسية مستمرة، إلى ضرورة البحث عن حلول بديلة وآمنة تتيح لدول الاتحاد الأوروبي التخلص التدريجي من الهيمنة الروسية على إمدادات الغاز الأوروبية. ومن هنا ظهرت مصر ضمن حلول الاتحاد الأوروبي في توفير ممرات مستدامة وآمنة من الغاز. 

في إطار البحث عن بدائل آمنة كانت المصالح والأهداف المشتركة بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة حلا استراتيجيا لمفهوم أمن الطاقة الأوروبي. حيث تمتلك مصر عناصر قوة متعددة، وعليه فإن حصيلتها الجيواستراتيجية تعد كبيرة نسبيا. مقارنة بدول شرق المتوسط الرئيسية، حيث تمتلك بنية تحتية ضخمة في صناعة الغاز الطبيعي، وتتكون البنية التحتية للغاز في مصر من منشأتين للغاز الطبيعي المسال: الأولى في مدينة دمياط ٦٠) كيلومترا غرب مدينة بورسعيد بسعة إنتاجية حوالي ٧٥٠ مليون قدم مكعبة يوم، والثانية منشاة إدكو (٥٠) كيلومترا شرق الإسكندرية وبسعة إنتاجية حوالي
١,٣٥ مليار قدم مكعبة يوميا.

‏ ولكن القفزة الكبري في تاريخ صناعة الغاز المصرية جاءت بعد اكتشاف الغاز الطبيعي بكميات اقتصادية ضخمة في منطقة شروق (حقل ظهر على بعد حوالي ١٩٠ كيلومترًا قبالة الساحل الشمالي المصري، وباحتياطيات كبيرة مؤكدة من الغاز الطبيعي والتي قدرت بحوالي ۳۰ تريليون قدم مكعب، ويُمثل إنتاجه حوالي ٤٠% من إجمالي إنتاج مصر الكلي من الغاز الطبيعي بعد عام واحد فقط من بداية إنتاجه أعلنت مصر اكتفاءها الذاتي من الغاز الطبيعي).

وإستكمالا لما سبق، تمتلك مصر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، مما يجعلها تحتل مكانة مرموقة بين أعلى الدول الإفريقية من حيث الاحتياطيات الترتيب الثالث)، حيث تقدر احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي بنحو ۲٫۱ تريليون متر مكعب. وعليه يمكن القول بإن تلك الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي تجعل لمصر دور محوري في سوق الطاقة العالمية, مما يجذب جذب الاستثمارات المحلية والدولية في قطاع الغاز الطبيعي، هذا بجانب الإصلاحات القانونية والتنظيمية الأخيرة في مصر التي عكست مدى التفاني لجذب وتأمين الاستثمارات في الغاز الطبيعي.
ووفقا لما سبق, حققت مصر معدلات وأرقاما قياسية على مدار السنوات الماضية في قطاع الغاز الطبيعي، وذلك بداية من البحث والاستكشاف والإنتاج والتصدير، حيث يُشكل التطور الذي تحقق في نشاط استقبال ونقل وتوزيع الغاز الطبيعي قيمة مضافة ويأتي مواكب الما يتم تحقيقه في قطاع الغاز الطبيعي من اكتشافات وتنمية وإنتاج، ويأتي حفاظ مصر على أحجام الغاز المصدرة مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي بفضل العديد من العوامل ومنها:

زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية في قطاع البحث والاستكشاف عن الغاز الطبيعي، وطرح العديد من المزايدات العالمية، وذلك لأن ترسيم الحدود خلق حالة من الاستقرار في المنطقة ومزيد من التعاون الإقليمي بين دول المنطقة. مستويات الإنتاج المحلي المرتفعة، وذلك بعد تطوير وتنمية العديد من حقول الغاز الطبيعي المصرية في منطقة شرق المتوسط.

طفرة مصرية في صادرات الغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي ولذلك تفوقت الصادرات المصرية من الغاز المسال في عام ۲۰۲۲ على قطر والجزائر وسلطنة عمان، وذلك من حيث نسبة النمو في إجمالي الصادرات مقارنة بعام ۲۰۲۱, حيث سجلت في الربع الأخير من العام الماضي نسبة نمو حوالي ١٣% على أساس سنوي (تقرير أوابك لعام (۲۰۲۳)، حيث سجلت صادرات مصر من الغاز المسال في إجمالي عام ۲۰۲۲ النسبة الأعلى على مستوى الدول العربية إذ تفوقت على سلطنة عمان التي ارتفعت صادراتها بنسبة حوالي ٦,٦% وقطر حوالي % فقط، حيث سجلت صادرات مصر من الغاز المسال خلال ۲۰۲۲ حوالي ٧,٤ ملايين طن مقابل حوالي ٦,٦ ملايين طن في عام ۲۰۲۱ حيث حققت مصر رقما قياسيا في صادرات الغاز لتصل إلى حوالي ٨ ملايين طن - تشمل صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب - في عام ۲۰۲۲ مقارنة بنحو حوالي ٧ ملايين طن في عام .۲۰۲۱. وعليه حققت مصر المركز الثاني عربيا والخامس عالميا في التصدير للدول الأوروبية، كما هو موضح.

ووفقا للبيانات المعلنة تصدرت تركيا قائمة الوجهات المستقبلة لصادرات وشحنات الغاز المسال المصري من محطة دمياط بحصة حوالي ۲۷ ثم جاءت إسبانيا بحصة حوالي %۲۱ وهولندا بحوالي 9 وكوريا الجنوبية بحوالي %1% وفرنسا بحوالي %% وتوزعت الحصة المتبقية على عدة أسواق أخرى. واستحوذت الأسواق الأوروبية مجتمعة بما فيها المملكة المتحدة وتركيا على نحو حوالي أكثر من %۸۲% من إجمالي صادرات محطة دمياط للإسالة خلال العام الماضي.

ومع زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال بشكل أكبر وتعميق أسواق الغاز الطبيعي المسال الأوروبية المتوسطية، فإن الاتحاد الأوروبي يدرك دور مصر المتنامي لتصبح مركزا إقليميا للغاز الطبيعي، وعليه فإن الاتحاد الأوروبي يمكنه الاعتماد على هذه الشراكة التي تعد محورية في جهود الاتحاد لتنويع واستقرار الإمدادات لمواطنيه، وذلك عن فإن بناء شراكات جديدة مع مصر يعد أمرًا أساسيا في الوقت الذي يبتعد فيه الاتحاد الأوروبي عن إمدادات الغاز من موسكو، وبالإضافة إلى تعزيز

ومما لا شك فيه أن إنشاء منظمة حكومية في مجال الطاقة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط منح لهذه المنطقة زخمًا كبيرًا على المستوى العالمي، وذلك لأن كل دولة تمتلك مندوبا دائما لها في هذه المنظمة، مما يعني أن المشاورات الدورية أصبحت آلية رئيسية للتقريب بين وجهات النظر المختلفة، وذلك بهدف وضع حد للنزاعات القائمة بين الدول الأعضاء، ويعد هدف تنسيق الجهود داخل المنظمة الهدف الرئيسي الذي تم إنشاء هذه المنظمة من أجله، خاصة أن تراعًا بحريا قد نشأ بين الدول المطلة على شرق المتوسط بشان ترسيم الحدود البحرية خلال السنوات القليلة الماضية، ومن هنا كانت هناك حاجة ملحة لجهة او منظمة تستطيع جمع جميع الأطراف على طاولة واحدة من أجل عقد المفاوضات .

وعليه جاء إنشاء منتدي غار شرق المتوسط في يناير من عام ٢٠١٩ ضمن الخطوات المصرية مع القانون الدولي ودعم جهودها في الاستفادة من احتياطياتهم واستخدام البنية التحتية ومع بناء بنية جديدة تهدف إلى تأمين احتياجاتهم من الطاقة لمصلحة رفاهية شعوبهم.

للتحكم في مفاتيح شرق المتوسط وخلق حالة من الاستقرار في المنطقة، وذلك بهدف تأسيس منظمة دولية تحترم حقوق الأعضاء بشأن مواردها الطبيعية، وذلك بما يتفق.

وبذلك ساهم المنتدى خلال السنوات الماضية في إعادة ترتيبات سبق طرحها للتعاون بين دول المنتدى.

إن منتدى غاز شرق المتوسط أعاد مفهوم أمن الطاقة العالمي، حيث أصبح الآن منظمة عالمية ودولية وبمعايير قوية وخلال فترة قصيرة شهد تطورا ملموشا وكبيرا، وأصبح منصة دولية مهمة لأنشطة الغاز إقليميا بما تضمن التعاون الإقليمي والعالمي الناجح بهدف مواجهة التقلبات والتخفيف من حدة التوترات السياسية بالمنطقة واستقطابه الاهتمام العالمي.

النظرة الأوروبية لمنتدى غاز شرق المتوسط كبديل استراتيجي

يعزز منتدى غار شرق المتوسط دور الدول المنتجة للغاز الطبيعي في شرق المتوسط لتكون موردا رئيسيا لدول الاتحاد الأوروبي في مجال الغاز حيث يسمح المنتدى بوجود تنسيق.

وتعاون بين مصر (إحدى دول المنتدى والدول الكبرى المنتجة للغاز الطبيعي في المنطقة الزيادة معدلات إنتاج الغاز، وإعادة تسبيله وتصديره لأوروبا ضمن بدائل الغاز الروسي للقارة الأوروبية، لاسيما مع وجود وحدتي إسالة الغاز الطبيعي في مدينتي دمياط وإدكو. وعليه يُشكل منتدى غاز شرق المتوسط إحدى أدوات تحول مصر المصدر إقليمي للطاقة في المنطقة، حيث تمتلك الدولة المصرية جميع القدرات لتنفيذ هذا المشروع الحيوي.

فمصر لديها إمكانات هائلة تؤهلها لهذا الأمر، ويساعد المنتدى الذي دعت مصر إلى تشكيله على تعزيز ثقلها السياسي الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الترحيب الأوروبي.

حيث استطاعت القاهرة تقديم نفسها بشكل سياسي واقتصادي، وذلك من خلال التنسيق الذي تم بين مصر والدول الأخرى في منطقة شرق المتوسط.
ومن المتوقع أن تسارع دول خارج المنتدى إلى الانضمام إليه في المستقبل القريب.

ومع الأخذ في الحسبان أن هذا التكتل لن يسمح لأي دولة بالتنقيب عن الغاز الطبيعي دون التوقيع على اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع باقي الدول المطلة على البحر المتوسط.

ولذلك في فبراير ٢٠٢٤ أبدت بلغاريا اهتماما للتعاون مع مصر في قطاع الطاقة، لا سيما فيما يتعلق بمشاريع الغاز الطبيعي، كما جددت رغبتها في المشاركة في منتدى غاز شرق المتوسط مجمل القول مرت مصر برحلة طويلة في التحول من دولة مستهلكة للغاز الطبيعي ولديها عجز في هذا العنصر المهم للطاقة لتصبح دولة مصدرة له، حيث غيرت اكتشافات الغاز الطبيعي التي شهدتها الدولة في الفترة الممتدة من ٢٠١٤ إلى ٢٠٢٤ المشهد المصري للطاقة بشكل كامل، مما انعكس على وضع مصر في صناعة الغاز الطبيعي، مما أدى إلى تغيير مكانتها على خريطة الطاقة العالمية، فبرزت كقوة كبرى في إنتاج الغاز، ولتؤكد بذلك أهميتها ودورها الرئيس في السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال وذلك ما تدل عليه الأرقام الحالية في تلك الصناعة والصادرات الأعلى منذ عام ٢٠١٤. 
وفي الأخير، أصبح الغاز الطبيعي المصري ثروة قومية للمصريين، وملاذاً آمنا للقارة الأوروبية، وذلك بعدما ازدادت حدة التوترات الجيوسياسية وتحديدًا الحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة، بات أمن الطاقة يحتم ضرورة البحث عن مصادر جديدة، ولذلك فإن تعزيز الشراكة مع مصر يمكن أن تدعم أوروبا في مساعيها لتأمين موارد آمنة ومستقرة للطاقة.

تابع أحدث الأخبار عبر google news