أحدث الأخبار
رئيس التحرير
محمد أبو عوض
رئيس التحرير التنفيذى
أحمد حسني

الجريمة المنظمة والطائفية في نيجيريا (4)

لعنة النفط.. اشتعال الحروب الأهلية في نيجيريا للسيطرة على الذهب الأسود

الحروب الأهلية في
الحروب الأهلية في نيجيريا

من الأزمات العصيبة التي مرت على نيجيريا قيام (حرب بيافرا)، والتي تعرف باسـم: (الحـرب الأهليـة النيجيرية)، وقد حدثت هذه الحرب في أعقاب الاستقلال عن المستعمر البريطاني في العام 1960م، وشكلت هذه الحرب النواة لسلسلة من الأزمات لازمت مسـار الدولة في تاريخها السياسي، فالحرب الأهلية النيجيرية (حرب بيافرا) استمرت قرابة ثلاث سنوات، بداية من عام: 1967م وحتى العام: ١٩٧٠م.

الحدود الجغرافية والسياسية لمنطقة بيافرا

حرب بيافرا وبزوغ النزعة الانفصالية

علم بيافرا

تسببت هذه الحرب فى إحداث صدمة قوية للوحدة الوطنية لنيجيريا، إذ اندلعت بعـد انقلاب 1966م، الذي قاده الجنرال ياكوبي جوون (Yakubu Gowon)، وبسبب هذا الانقلاب تم اغتيال الرئيس جونسون أغيلي إرونسي (Johnson Aguili Aronci)، وهو مـن قبائـل الإيبو، وعلى إثر ذلك تم التراجع عن مبدأ الفيدرالية وتوجه الانقلابيون إلى تحويل نيجيريا إلى دولة موحدة، ما أدى إلى قيام قادة الإقليم الجنوبي الشرقي بإعلان الانفصال وإقامة جمهورية بيافرا المستقلة، والتي اعترف بها دوليا مع مطلع العام 1968م من قبل كلا من هايتي وكوت ديفوار والجابون وزامبيا وتنزانيا، كما حظيت على اعتراف غير معلن من قبل إسرائيل وفرنسا والبرتغـال، وتواجدت معظم مكاتب التمثيل الخارجي لجمهورية بيافرا في لشبونة إذ تم أيضا طبع العملة المحلية لبيافرا هناك.

حرب بيافرا - صورة أرشيفية

بلغ ضحايا الحرب في بيافرا ما يقرب من 10 ملايين قتيل، ووصل عدد النازحين إلى أكثر من 3 ملايين لاجئ فقط من قبيلة الإيبو، ومئـات الآلاف مـن الموتى بسبب الجوع وتفشي الأوبئة، وتقدر القتلى بما يقرب من 2 مليون قتيلا، بينما ذكرت مصادر أخرى أن عدد القتلى قدر بمليون قتيل فقط، وقد أدت الحرب إلى تحطيم البنية التحتية للإقليم الذي يضم حوالى 80% من احتياطي النفط في البلاد، وقد انتهت الحرب بهزيمة الانفصاليين وعودة الإقليم إلى خضم الدولة النيجيرية بعد الاستيلاء على العاصمة أوبري ومطار أولي في جانفي 1970م وتم القضاء على التمرد بشكل نهائي.

الإنفصاليين في بيافرا

وعـن طريق القوة العسكرية التابعة للحكومة الفدرالية تم حل أزمة بيافرا والقضاء على الحركة الانفصالية، وفي هذا الوقت لم تجد منظمة الوحـدة الإفريقيـة سبيلا للعب دور فاعل في البلاد نظرا لانقسام الدول الأفريقية، بين معترف ومؤيد للانفصاليين، وبين من يُعدّ أن هذه القضية داخلية، ولا يجوز التدخل فيها وفق المادة رقم 3 من الفقرة الثانية مـن ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية والتي تنص فى مضمونها على وجوب احترام الوحدة الترابية للدول الأعضاء.

وقـد رفضت نيجيريا أي تدخل خارجي سواء من منظمة الأمـم المتحدة، أو منظمة الوحدة الأفريقية، وعدّت ذلك خرقا لسيادتها، لكن هذا الموقف لم يمنع نيجيريا من قبول مناقشة القضية في المؤتمر الرابع لمنظمة الوحدة الأفريقية الذي عقد في كينشاسا في المدة من 11 إلى 14 سبتمبر 1967م، وقد انتهى المؤتمر إلى تبني قرار يدين الانفصاليين ويؤكد بقوة علـى الوحـدة الترابيـة لنيجيريا.

أزمة دلتا النيجر

 يُعدّ دلتـا النيجر، أو دلتا نيجيريا، أكبر منطقة نفطية في البلاد، إذ تُعد هذه الولاية من أكبر الولايات النيجيرية، وتتمثل هذه الولايات في: الأنهار، بيلسـا، دلتا، ويتميز نفط هذه المنطقة بالجودة العالية نظراً لأنه خالٍ من الكبريت.

الموقع الجغرافي لإقليم دلتا النيجر 

الموقع الجغرافي لإقليم دلتا النيجر

يقع إقليم دلتا النيجر في جنوب نيجيريا بين خطي عرض 4 و6 درجات شمال خط الاستواء، 4 و8 درجات شرق خط غرينتش، يحده من الجنوب المحيط الأطلنطي، ومن الشرق جمهورية الكاميرون، ومن الشمال والغرب باقي أنحاء نيجيريا، ويشغل هذا الإقليم مساحة تزيد عن 70 ألف كيلومتر2، أي ما نسبته 7.5% من المساحة الإجمالية لليابسة فى نيجيريا، ويتكون إقليم دلتا النيجر من 9 ولايات هي أبيا، بايلسا، أكوا إيبوم، كروس ریفرز، الدلتا، إيمو، إدو، أندو، وريفرز؛ ويعيش في الإقليم أكثر من 40 مجموعة عرقية، ويتحدثون بـنحو 250 لهجة مختلفة.

نيجيريا تعاني من "لعنة النفط"

لعل من أبرز مميزات إقليم دلتا النيجر أنه يحتوي على النفط الخام، فقد اكتشف فيه النفط لأول مرة عام 1956م في منطقة أوليوبيري، التي تعرف في الوقت الحالى بولاية بايلسا، ومنذ ذلك التاريخ يُعد هذا الإقليم من أهم الأقاليم النيجيرية، إذ يؤدي دورا مهمًا وكبيرًا في الاقتصاد الوطني النيجيري، كما أن هذا الإقليم به ممر بحري بالغ الأهمية تستغله الدولة فى التبادلات التجارية.

أما عن آبار النفط المتواجدة في دلتا النيجر، فالخريطة التالية توضح ولايات دلتا النيجر وآبار النفط المتواجدة بها (مظللة باللون الأسود).

ولايات دلتا النيجر وآبار النفط المتواجدة بها

شهدت منطقـة الدلتا صراعات محتدمة بين الحكومة والسكان المحليين، وأيضًا بين السكان المحليين والشركات الأجنبية التي تعمل في استخراج البترول في هذه المنطقة، ويرجع ذلك إلى الفقر والحرمان والهشاشة الذي تعانيه المنطقة برغم مواردها الكبيرة من النفط وغيره، ويعود السبب في ذلك إلى سياسات الحكومة الفيدرالية الخاطئة التي تفتقر إلى عدالة توزيع الثروة بين كافة مناطق الجمهورية الفيدراليـة، وتتم عملية توزيع الإيرادات في نيجيريا وفقًا لبرنامجين، البرنامج الأول يعتمد على التقاسم الرأسي للإيرادات، بمعنى تقاسم الإيرادات بين الحكومة المركزية وشتى الوحدات المكونة للفيدرالية، أما البرنامج الثاني فيعتمد على التقاسم الأفقي للإيرادات، بمعنى تقسيم الإيرادات على مستوى الولايات.

الصراعات على تقسيم الإيرادات في نتيجيريا 

منذ تاريخ الاستقلال تُعدّ قضية توزيع الإيرادات من القضايا الشائكة والمثيرة للجدل عند مختلف الحكومات التي تعاقبت على حكم نيجيريا، سواء الحكومات العسكرية أو الحكومات المدنية، نظرًا لأن هناك تغييرات مستمرة في صيغة تخصيص الإيرادات، فخلال المدة من العام 1970 م وحتى العام 1999 م، تم تخفيض النسبة المخصصة لدلتا النيجر على أساس مبدأ الاشتقاق، فبدلا من إعطاء الإقليم نسبة 45% باتت النسبة تتقلص بالتدريج إلى أن وصلت 3%، إذ حصلت الحكومة الفيدرالية على أغلب الإيرادات، ما أثار سخط وحفيظة الأقليات العرقية التي تظلمت من النسبة المخصصة لهذا الإقليم وقالوا إنها نسبة مدروسة لاستغلال ثروات إقليمهم من العرقيات الكبرى، ما نتج عنه الإحساس بالظلم والاستغلال الناتج عن ما وصفه بعض المحللين السياسيين بأنه استعمار داخلي، بسبب سيطرة النخبة الحاكمة على البلاد، إذ ظلت الحكومة الاتحادية تستحوذ على نسب كبيرة من الإيرادات النفطية تتراوح هذه النسب بين 50% إلى 80%، وكان هذا على حساب إقليم دلتا النيجر.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الإيرادات لا تصل إلى المواطن ولا يشعر بها، فالمواطن بذلك لا يستفيد من خيرات أرضه، سواء ذهبت هذه الإيرادات إلى خزينة الحكومة الاتحادية، أو حكومة الولايات، والظروف التي يعيشونها أكبر دليل على ذلك، فالتوزيع غير العادل لثروات البلاد أدى إلى افتقار إقليم دلتا النيجر للأمور الأساسية مثل المرافق العامة والبنية التحتية، كما ساهم التوزيع غير العادل للثروات في التهميش السياسي لأبناء المنطقة، ويرجع ذلك إلى الفشل في خلق فرص العمل والتنمية والنمو الاقتصادي، وقد ازداد شعور أبناء الأقليم بالظلم بسبب مستوى المعيشة المرفة الذي تعيشه النخبة السياسية التي لم تنتهج منهج الشفافية في إدارة أموال البلاد، ووفقًا لدستور 1999 م تم تخصيص إيرادات المشتقات بنسبة 13% للإقليم، وقد نفذ هذا القرار فى عام 2000 م.

لم تتوقف المشكلة عند استغلال الحكومة الاتحادية فقط لثروات الإقليم، وإنما أتت الشركات الأجنبية العاملة فى مجال النفط لتستغل ثروات الإقليم أيضا، إذ تنتج تلك الشركات أكثر من 95% من النفط النيجيري، وقد أدت الصناعات النفطية إلى التدهور البيئي فى هذا الإقليم، ما يهدد صحة السكان في هذه المنطقة، ولم يقف التدهور على ذلك بل شهد الإقليم قضاء على الزراعة وعلى الثروة الحيوانية؛ كل هذا جاء نتيجة حرق الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفـط من قبل الشركات العاملة فى الإقليم، وأحياناً يحدث ذلك الدمار البيئ عبر التسـريبات النفطية، ورمي نفايات الشركات دون أخذ الاحتياطات اللازمة والضرورية.

"الإيجاويون" يقفون للحكومة بالمرصاد ويتصدون لشركات النفط الدولية

النفط في نيجيريا

دفعت هذه العوامل المتشابكة سكان المنطقة "الإيجاويون" عام 1998م للمطالبة بتوقف شركات النفط الدولية عن تدمير بيئتهم الطبيعية، ما أدى إلى قيام السلطة النيجيرية بإرسال قواتها لاحتلال كافة ولايات الدلتا، وفى مقدمتها ولاية بايلسا، إحدى أبرز ولايات الدلتا المليئة بالنفط وعاصمتها "يناجوا"، وبلا شك توجد مدينة كاياما بالقرب من بايلسا والتي تمثل رمز الثورة الناشئة، ومع كل هذا كان رد السلطات النيجيرية قويا للغاية، إذ فتحوا النيران بشكل مباشر على أبناء هذه المنطقة متسببين في مقتل العديد منهم، وإصابة عدد كبير، لتكون منذ ذلك الوقت النقطة المحورية والأساسية في صراع دلتا النيجر، فتطور سقف مطالب الثوار ليطالبوا بالانفصال.

من هنا ظهرت مجموعات عسكرية وقفت ضد القوات النيجيرية العاملة هناك، وقد طالت عملياتهم شركات النفط العالمية العاملة على أرض هذا الإقليم، كما استهدف المسلحون المحليون موظفي الشركات متعددة الجنسيات، وأسروا بعضهم وأخذوهم كرهائن للمساومة عليهم، ومع كل حدث تقوم السلطات النيجيرية بإرسال مزيد من القوات الأمنية وقوات الجيش لترتفع وتيرة الصراع أكثر.

تفاقم أحداث العنف في دلتا النيجر

أدت هذه الأحداث إلى استمرار اندلاع الصراعات العنيفة، ما تسبب في وجود خسائر مادية وبشرية كبيرة أثرت على البيئة المحلية والإقليمية والدولية، ومن أبـرز الجماعات التي قادت الحراك فى هذا الوقت، جماعة تحرير منطقة دلتا، وهي جماعة من الجماعات المسلحة التي ظهرت عام ٢٠٠٤ م، وقد قام الجيش النيجيري في عام ٢٠٠٩ م بمقاتلـة هذه الجماعـات، إذ أنها بدأت تشكل خطراً على الدولة عبر سيطرتها علـى أنابيب البترول؛ ما أثر بالسلب على إنتاجه، ومع قيام الحكومة بالتدخل العسكري في هذه المنطقة؛ قام الرئيس النيجيري آنذاك، (عمر يرودوي)، بمطالبة تلك الجماعات بتسليم السـلاح في مقابل العفو عنهم، ما أدى إلى إخماد حريق هذه المعارك، وإلقاء الجماعات لسلاحها التزاما بطلب الرئيس "يرودي".

التداعيات البيئية لأزمة دلتا النيجر

أثرت الأزمة على الأوضاع البيئية في دلتا النيجر، إذ أدت الصناعات النفطية إلى أضرار بيئية جسيمة على عدة مستويات، فلم يكن هناك أخذ للاحتياطات أثناء إلقاء النفايات النفطية، ولم يكن هناك حرص على البيئة من التسربات النفطية، فتلوث الهواء كما تلوثت الأرض والمياه، وكان لهذا كبير الأثر السلبي على مناطق الصيد واختفاء الأراضي الرطبة، ما كان له آثار سلبية كبيرة على سبل الحياة والعيش فى ها الإقليم.

وفقًا لإحصائيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وقع أكثر من 6800 حادث تسرب نفطي في المدة من العام 1976 م حتى العام 2001 م، ووفقا لبيانات الوكالة الوطنية لاكتشاف التسربات النفطية ومواجهتها، كان هناك زيادة على 2000 موقع في إقليم دلتا النيجر في مارس 2008 م، بحاجة إلى معالجة عاجلة بسبب التلوث المتعلق بالنفط، كما ساهم حرق الغاز في رفع درجة التلوث، إذ نتج عن هذه العملية إطلاق ما يقرب من 35 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وحوالي 12 مليون طن من الميثان سنويا، وقد تم التصريح بأن إقليم الدلتا يتلوث سنويا بـمقدار 2.3 مليار متر مكعب من النفط.

ان هذا التدهور البيئي –بلا شك- لا يؤثر فقط على مصادر معيشة السكان، بل أثر أيضا على صحتهم، إذ يعانى العديد من السكان من عدة مشاكل صحية أغلبها مشاكل في التنفس، والتقرحات الجلدية، والكثير جدا من الأمراض التي من الصعب حصرها، وتلك الأوضاع المعيشية الصعبة، أدت إلى زيادة ظاهرة الهجرة الداخلية، وانعدام الأمن والأمان، فالصراع الطويل أدى إلى تدمير نحو 30 قرية، وقتل أكثر من 2000 شخص، وجرح حوالي 3000، ما دفع حوالي 100 ألف للهجرة الداخلية خاصة إلى ابدان، وأبوجا، وكالابار، وغيرها.

التداعيات الاقتصادية لأزمة دلتا النيجر

على المستوى الاقتصادي، شهد الإقليم الكثير من الخسائر الاقتصادية الفادحة، ففي عام 2006، خسرت نيجيريا 211 ألف برميل من النفط الخام على مستوى يومي، وهو ما يعادل 8.4% من صادرات نيجيريا من النفط والتي تبلغ نحو 2.6 مليون برميل، كما انخفضت أرباح تصدير النفط الخام بمقدار حوالى 702 مليون دولار في عام 2006، وشهد التوليد الوطني للطاقة انخفاضا بنسبة تزيد عن 25% نتيجة إيقاف تشغيل ثلاث محطات طاقة رئيسية بسبب نقص إمداد الغاز، وقد انخفض إنتاج الكهرباء أيضًا في نيجيريا من نحو 4800 ميغاوات في 2015 م، إلى 1000 ميغاوات في مايو 2016 م، ما أثر على مستوى الإنتاجية والخدمات في مجمل اقتصاد البلاد، وفي 2020 بلغ إنتاج الكهرباء في نيجيريا 2،153 ميجاوات.

اقرأ أيضًا: الياكوزا.. أخطر عصابات الجريمة المنظمة في اليابان | صور وانفوجراف

 

تابع أحدث الأخبار عبر google news