«الحادثة» يرصد قضايا عقوق الأباء تجاه أبنائهم في محاكم الأسرة

العقوق لا يقتصر على الأبناء فقط، فقد يكون عقوق الأباء أشد غرابة وقسوة، وهو ما عكسته قضايا محاكم الأسرة بالفعل، حيث توجد مئات قضايا النفقة التي أقامها الأبناء ضد آبائهم، فطبقًا للقانون، يقيم الأبناء عند وصولهم إلى سن 15 عامًا، دعوى نفقة، بأنفسهم، في حال عدم إنفاق الأب عليهم، ويكون الابن والابنة المنوط بهما أمام المحكمة، بإقامة الدعوى، وليس الزوجة.
تسمى هذه الدعاوي في القانون، دعاوي نفقة الأقارب، ومن الافت أيضًا، أنه يحق للأخت إقامتها على شقيقها، في حالة عدم وجود من ينفق عليها، مع إثبات ذلك بالمستندات اللازمة.
دعاوي عقوق الأباء تجاه أبنائهم
سنوات عديدة من الفقر والعوز، تحملها محمد علاء، بعد انفصال والدته عن والده، ومحاولات والده المستمرة التهرب من سداد النفقة، فكل عام يمر عليه تزداد نفقته، ويزداد والده تعنتًا مع والدته، ولكن بعد انتهائه من تعليمه الثانوي، وانتقاله إلى مرحلة جديدة، وهي دخول الجامعة، زادت نفقاته بشكل لم تعد تتحمله الأم، واضطر الابن إلى رفع قضية نفقة تعليمية على والده، لكونه ميسور الحال، ويتهرب من سداد النفقة، نكاية في والدته.
على الرغم من الاتهامات التي وجهت له بالعقوق، إلا أنه أصر على إقامة هذه الدعوى، وكان الغريب أثناء الجلسة التي جمعته بأبيه، أن الأب لم يعرف ابنه أصلًا، لأنه - طوال هذه السنوات - لم تكن هناك أي صلة بينهما، وكان كل ما يهمه في الأمر، هو الحصول على مسكن الزوجية الذي تركه لزوجته بعد الطلاق، حين كان الابن في حضانتها، وبعد بلوغه السن القانوني، بات من حقه استرجاع مسكن الزوجية مرة أخرى، وهو الأمر الذي أثار دهشة القاضي، فكيف يصل الجحود بالأب إلى أنه لم يتعرف على نجله، لأنه لم يكن يحضر جلسات الرؤية، وأنهى علاقته به تمامًا بعد الانفصال، حتى بكى الابن خلال الجلسة، وكان كل حرص الأب هو انتزاع المسكن من الأم، وهو الأمر الذي رفضه القاضي، وحكم للأبن بنفقة تعليم.
عقوق الأباء والتهرب من تحمل نفقات تجهيز بناتهم
الأمر فقط لم يقتصر على عدم الإنفاق على تعليم الأبناء، بل الهروب أيضًا من تحمل نفقات تجهيز البنات، والهروب من تحمل المسؤولية، التي أقرها الشرع والعرف والقانون، من أبرز أمثلة عقوق الأباء، وهو ما عكستها عشرات القضايا لبنات أقمن دعاوي على الآباء لرفضهم التكفل بمصاريف الزواج.
من أكثر هذه الدعاوي غرابة، ما عاشته «سها محمد»، الفتاة التي لم ينفق عليها والدها جنيهًا لسنوات طويلة، بعد انفصال والدتها عن والدها، مما اضطرها للعمل في أحد المصانع لتوفير قوت يومها، هي ووالدتها، الأمر الذي جعلها تكتفي في مرحلتها التعليمية بشهادة الدبلوم الفني.
طوال هذه الفترة، لم تكن «سها» تهتم بما يفعله والدها، ولم تهتم بسلوكه تجاهها، لكن ما أفزعها أنها بعد أن أنهت دراستها، وبلوغها سن الـ17 عامًا، فوجئت بأن والدها أقام دعوى وقف نفقة، حتى لا يستمر في دفع 500 جنيه لها.
حينها رفعت ضد والدها دعوى نفقة جهاز عروس،خاصة بعد أن تمت خطبتها، وهي بالفعل تُحضر للزفاف، وكانت تنوي أن تتكفل كالعادة بمصاريف زواجها، لكن ما أقدم عليه والدها جعلها ترفع هذه الدعوى كناية فيه، وبالفعل حكمت لها المحكمة بتكفل والدها بتجهيزها، وبنفقة جهاز كامل، بعد اطلاعها على ما يثبت قدرة والدها على تجهيزها، وأنه يعمل في مجال المقاولات، ويمتلك عقارًا كبيرًا.
طالبة الألسن تقاضي والدها
في واقعة ثانية، عاشت «علا عادل» طوال حياتها وهي تُقاطع والدها، رغم أنها في أمس الحاجة إليه، خصوصًا كونها كانت طالبة متفوقة دراسيًا، وتخرجت في كلية الألسن، لكن كان شعور داخلي تجاه والدها يجعلها حتى وهي في أمس الحاجه له لا تطلب منه شيئًا، لكن كانت تعرف بين الحين والأخر، أن والدها كان ينفق ببذخ على إخوتها دونها، وأنه كان لا يعاملها أصلًا، ويتعمد تجاهلها، والهروب حتى من فكرة أن يعرض عليها المساعدة.
تصرفات والدها خلقت في «علا» ما يشبه الكره والبغض، جعلها تقدم على رفع دعوى قضائية ضده، مشيرة إلى أنها صبرت لمدة طويلة دون يرفق بها، وأنها اضطرت للعمل للإنفاق على دراستها ووالدتها المريضة، وأصبح من غير المعقول والمقبول، أن تصمت على هذا الوضع أكثر من ذلك. خاصة أن والدها ميسور الحال، ويعيش في منطقة راقية، بينما هي ووالدتها تعيشان في منطقة شعبية.
في الدعوى القضائية التي رفعتها صد أبيها، حكمت المحكمة لصالحها، هنالك بدأ البعض يتهمها بالجحود، خاصة من كان يأخذ موقف الأب، لكنها أكدت أن ما أقدمت عليه لم يكن عقوقًا، وأنه كان في مقدوره أن يُنهي الخلاف بينه وبين ابنته لو هو اعبترها ابنته، ولم يتركها طيلة هذه السنوات دون أن يحمل نفسه عناء السؤال عليها.
ألقى ابن أخيه في دار رعاية ليأخذ معاش والده
في تلك الواقعة التي نحن في صدد الحديث عنها، لم يكن الشاهد فيها عقوق الأباء فقط، بل عقوب الأقارب أيضًا، عندما أقدم العم، على ارتكاب أفطع جريمة، يمكن أن يرتكبها شخصًا، في حق أبناء أخيه.
استغل العم هنا مرض أخيه، وإصابته بالقصور الذهني، وتحايل حتى استطاع أن يسحب ولاية زوجة أخيه في استلام معاشه ورعاية ابنه، عن طريق خطف ابن أخيه واعتبار والدته غير أمينة على رعايته.
بعد أن أُتِم له ما أراد، وانتقلت الولاية له، ألقى ابن أخية في دار رعاية، واستلم معاش شقيقه بدلًا من أمه.
لكن الزوجة لم تستسلم، وقررت أن تأخذ حق ابنها مهمًا عن طريق القانون، وعليه رفعت دعوى على شقيق زوجها، لتثبت أحقيتها باستلام المعاش بدلًا منه، وفي اليوم الذي كان من المقرر أن يتم الحكم في القضية، مات زوجها، وأصبحت من حينها هي المسؤلة عن رعاية ابنها واستلام معاش زوجها المتوفي.
بعد أن عاد حقها، تفاجئت أن عم ابنها، استغل الفترة التي كان يستلم فيها المعاش، واقترض من البنك قرضًا بضمان معاش زوجها، بالإضافة إلى تزويره أوراق دار الرعاية، وادعاءه أن تكلفتها شهريًا ألفي وخمسمائة جنيهًا، في حين كانت تكلفتها الفعلية ألف جنيه فقط.